نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية تقريرا تحدثت فيه عن تواصل النزاع القائم حول مسجد أثينا، الذي لا تزال أشغال بنائه متوقفة على الرغم من أنه مضى أكثر من سنتين على قرار البرلمان اليوناني بالسماح والتسريع في بنائه.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته “عربي21“، إن المواطنين المسلمين لا يملكون حتى اليوم فضاء لممارسة الطقوس الدينية الخاصة بهم مما يجعلهم يشعرون أن الحكومة اليونانية لا تعاملهم كمواطنين. وقد عارض نشطاء اليمين المتطرف قرار بناء مسجد في أثينا، حيث نظموا احتجاجات تندد بفتحه وكتبوا على جدرانه شعارات عنصرية.
وبعد سلسلة من التأجيلات تقرر افتتاح المسجد الصيف القادم. وقد صرح متحدث باسم وزارة التعليم والشؤون الدينية بأن المبنى جاهز ويحتاج فقط لبعض التعديلات في المنطقة المحيطة. ولكن يشك المسلمون الذين يعيشون في هذه المدينة في أن هذا المسجد قد يفتح أبوابه، خاصة وأنهم اعتادوا أداء الصلاة في القاعات والمرائب.
وبينت الصحيفة أن نعيم الغندور، وهو رجل أعمال مصري ورئيس رابطة المسلمين في أثينا، حاول الضغط على السياسيين بخصوص المسجد على مدى سنوات. وقال نعيم: “يعيش أولادي على قدم المساواة مع الأطفال اليونانيين، ولكن عندما يتعلق الأمر بأداء الصلاة، فإن البعض يذهب إلى الكنيسة بينما يضطر آخرون إلى الذهاب لأداء العبادة في المرآب، وهذا دليل على أن المسلم لا يحظى بالمساواة”.
وأوضحت الصحيفة أن النزاع القائم حول مسجد أثينا يعكس النقاشات الدائرة حول مسألة الاندماج وصعود سياسة الأهلانية في أوروبا. وقد زادت شعبية الحركات اليمينية اليونانية المتطرفة، التي باتت تلعب دورا هاما في تنامي قلق الرأي العام حول الهجرة غير الخاضعة للرقابة. وفي سنة 2015، كانت اليونان الوجهة الأولى لأكثر من مليون لاجئ فروا من الحرب في سوريا وأفغانستان والعراق. وعلى الرغم من الأزمة المالية التي عانت منها اليونان، إلا أنها كافحت لاستيعاب اللاجئين ومعالجة الآلاف منهم.
وذكرت الصحيفة أن المسلمين في هذا البلد حاولوا منذ زمن طويل بناء مسجد في أثينا، وقد وضعت خطط بناء المسجد سنة 1890، وتكررت المحاولات لكن جميعها باءت بالفشل. ووفقا لإيفي فوكا، وهي باحثة في المؤسسة الهيلينية للسياسة الأوروبية والخارجية، فإن السياسيين يفتقرون إلى الشجاعة فيما يتعلق بهذه المواضيع، فلطالما كان هذا الأمر مسألة حساسة جدا بالنسبة لهم.
وأشارت الصحيفة إلى أن أثينا كانت مستوطنة متعددة الثقافات تضم حوالي 12 ألف نسمة. لكن بعد ثورة 1821، التي حررت البلاد من الحكم العثماني، تم تدمير العديد من المعالم الأثرية العثمانية في المدينة. ومن الواضح أن الاستياء من الحكم العثماني لا يزال مستمرا، حيث يشعر العديد من السكان بأن بناء مسجد في أثينا من شأنه أن يمحو نضالات حركة الاستقلال.
سنة 2013، ناقش الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع رئيس الوزراء اليوناني آنذاك أنتونيس ساماراس، فكرة تقديم تمويل لبناء مسجد. لكن هذا المقترح أثار غضب بعض اليونانيين، ونتيجة لذلك تم التخلي عن هذا المخطط. وتجدر الإشارة إلى أن حكومة سيريزا الحالية مصرة على أنه عندما يتعلق الأمر ببناء مسجد أثينا، فلن يكون هناك أي تمويل خارجي.
وأضافت الصحيفة أنه في شارع هادئ في نيوس كوزموس، يتذكر نعيم الغندور النداء إلى الصلاة، حيث يتجمع حوالي 150 شخصا لأداء صلاة الجمعة في مسجد السلام، وهو واحد من بين 120 مسجدا مؤقتا في اليونان، وواحد فقط من بين ستة مساجد حصلت على تصريح من الدولة. وهذا المسجد هو عبارة عن مرآب متواضع يؤدي إلى طابق سفلي واسع ذو سقف منخفض.
وأوضحت الصحيفة أن محمد رصاص، وهو فلسطيني انتقل إلى أثينا في فترة الثمانينات، قد ورث مبنى عن والده حوّل طابقه السفلي إلى مسجد للعائلات العربية المحلية. وقال رصاص: “لا يريد الناس مغادرة بلدانهم ولكنهم مضطرون أحيانا، إنهم يريدون فقط أن يكونوا آمنين”. وأضاف رصاص: “في فترة التسعينيات، اعتاد اليونانيون أن يكونوا ودودين معنا، أما الآن فيمكنك رؤية نظرة الكراهية في أعينهم”.
كشف استبيان أجراه معهد ديانيوسيس للبحوث والسياسة أن 36.3 بالمائة فقط من اليونانيين يتفاعلون بشكل إيجابي مع كلمة مسلم. وأشار إياسون زاريكوس، المؤلف المشارك للفصل اليوناني في مجموعة مكافحة كراهية الإسلام، وهو مشروع بحث على نطاق أوروبا، إلى أن هذا ليس دليلا على انتشار الإسلاموفوبيا بل دليلا على تفشي ظاهرة اللامبالاة.
ونقلت الصحيفة عن زاريكوس أن “هذا القرار نابع من عدم مبالاة الدولة اليونانية بالأقليات الدينية بشكل عام وليس فقط المسلمين، فاللامبالاة هي السبب وليس البيروقراطية”. وأضاف زاريكوس أن مفهوم الإسلاموفوبيا قد تضخم منذ سنة 2015 “بسبب تنظيم الدولة وتدفق اللاجئين”.
ووفقا للتقرير السنوي للمفوضية الأوروبية، فإن نسبة اليونانيين الذين يصنفون الهجرة كأكبر مصدر قلق للبلاد شهدت ارتفاعا بين سنتي 2015 و2016. كما أشارت 21 دولة من أصل 28 من دول الاتحاد الأوروبي إلى أن الهجرة هي مصدر قلقها الرئيسي يليها الإرهاب.
وذكرت الصحيفة أن نائب عمدة الهجرة لبلدية أثينا لافتيريس باباغيانكيس أشار إلى أنه لم يكن هناك أي سياسة دمج للمهاجرين في المدينة قبل اندلاع أزمة المهاجرين الأوروبيين. ونتيجة لذلك، اضطر المهاجرون إلى الاندماج في المجتمع اليوناني لوحدهم. ونوه باباغيانكيس بأن “اليونان ترفض أن تمنح المهاجرين الهوية اليونانية لأن وجودهم يقتصر فقط على العمل في الحقول والقيام بالأشغال التي يرفض اليونانيون فعلها”.
منذ سنة 2006، جاء قرار التراجع عن بناء المسجد من طرف الكنيسة الأرثوذكسية عدة مرات. وعلى الرغم من دعم كبير الأساقفة الحالي في أثينا، إيرونيموس الثاني، لفكرة المسجد ضمن تصريحاته الأخيرة، إلا أنه قد أعرب سنة 2016 عن مخاوفه من أن يصبح المسجد أساسا داعما للتطرف. كما أفاد يانيس كتيستاكيس، أستاذ القانون الدولي بأن “كل سياسي يعلم أن الكنيسة اليونانية تحظى بنفوذ سياسي، لكن هذه السلطة قد تقف ضدهم خلال الانتخابات المقبلة”.
وأشارت الصحيفة إلى أن الدستور اليوناني يعترف بالأرثوذكسية الشرقية الديانة الرسمية في البلاد. ووفقا لمركز بيو للأبحاث، فإن 76 بالمائة من اليونانيين يؤمنون بأن الالتزام بالمسيحية الأرثوذكسية أمر هام في تكوين الهوية الوطنية اليونانية، ويمثل هذا الرابط المبدأ الرئيسي في الأيديولوجيا القومية اليونانية. وقد استغل العديد من الأطراف هذا التفسير كحجة لدعم رفضهم للمساجد.
وإلى حدود سنة 2014، لم يُسمح لأي ديانات أخرى غير الأرثوذكسية واليهودية والإسلام (للجالية المسلمة التركية في شمال اليونان) بفتح أماكن للعبادة باعتبارها كيانات دينية. وبعد تغير القانون، يمكن للمجموعات الدينية الآن طلب تصريح لفتح أماكن العبادة.
وأوضحت الصحيفة أنه منذ سنة 2016، وقع تأجيل تدشين المسجد ثلاث مرات. وما زالت العرائض الرامية إلى وقف إجراءات التدشين في طور المراجعة في المحكمة. ومن المرجح أن مسجد أثينا سيمتد على مساحة ألف متر مربع عند اكتماله، وهو كاف لاستيعاب كل السكان المسلمين في المدينة.
ونقلت الصحيفة عن إمام مسجد “الشافعي” عبد الرحمن سعيد أن هذا المسجد، الواقع في مدينة فاثي، يكافح لدفع فواتير الإيجار والكهرباء وهو أمر مقلق، خاصة بعد أن أعلنت الوزارة أنه بمجرد افتتاح المسجد الجديد، سيتم إغلاق أي مسجد لا يستوفي الشروط القانونية.
ومن جهته، بين الصحفي ونائب عضو مجلس إدارة المسجد الجديد في “فوتانيكوس”، أشير حيدر، أن المشكلة الأساسية تتمثل في أن المسلمين لطالما أخفوا نشاطهم الديني عن الناس، مما خلق سوء فهم كبير لدى اليونانيين. وعلى الرغم من الطريقة القاسية التي تعترف بها الدولة بالإسلام وغيره من الأديان غير المسيحية، إلا أن حيدر يعتقد أن الزمن قد تغير فعلا.